تعتبر دراسة (تقييم قدرة الاقتصاد السعودي على خلق فرص عمل مناسبة ومستدامة للمواطنين) من الدراسات المهمة التي قدمت في الدورة السابعة لمنتدى الرياض الاقتصادي. وتبرز أهميتها من جوانب عدة، الجانب الأول يتمثل في تأكيدها ما يقوم به (المنتدى) من دور في دراسة القضايا الاقتصادية، وإيجاد الحلول لها سعيًا لتحقيق التنمية المستدامة. أما الجانب الثاني فهو ينظر إليه من ناحية تزامن (الدراسة) مع صدور قرار الموافقة على تنظيم هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة، وكذلك استباقها (رؤية المملكة) التي تستهدف خطتها زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22 % إلى 30 %، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6 % إلى 7 %. وهذا التوافق في الرؤى يشير إلى صحة قراءة (المنتدى) لواقع الاقتصاد وما يواجه من معضلات، وتقديم الحلول لمساعدة مؤسسات الدولة على تحقيق أهدافها.
محاور مهمة
وحتى يتم الوصول لأبعاد (المشكلة)، ووضع الحلول لها، فقد اشتملت الدراسة على سبعة محاور رئيسة، كل واحد منها يضم عددًا من المباحث، تتناول موضوعًا من مواضيعها. ولقد خصص المحور الأول لعرض هدف الدراسة، ووسائل ومصادر وطرق توليد الوظائف. أما المحور الثاني فقد اهتم بتشخيص واقع الاقتصاد وسوق العمل، واستعراض السياسات المطبقة حاليًا لتوليد فرص حقيقية، وتحديد ما تواجهه من تحديات. كما يتناول التناقض القائم بين قدرات الاقتصاد والفرص الوظيفية المتاحة للمواطنين من جهة، وجوانب الخلل في سوق العمل السعودي المتمثلة في غلبة المشتغلين الوافدين من جهة أخرى. كما تناول هذا المحور السياسات الاقتصادية المطبقة لتوليد فرص عمل حقيقية، مع توضيح إيجابياتها وسلبياتها وما حققته من نتائج.
أما المحور الثالث فقد خُصص لقياس قدرة الاقتصاد على توليد الوظائف حتى عام 2020م؛ إذ يشار فيه إلى أن ما ولده الاقتصاد من وظائف في الفترة 1999 – 2014م بلغ 5.5 مليون وظيفة عام 1999م، تتوزع بنسبة بين 46 % للمواطنين و54 % للوافدين، وارتفع إلى 11.1 مليون وظيفة في منتصف 2014، غير أنها توزعت بنسبة 45 % للمواطنين و55 % للوافدين. وتؤكد الدراسة في تناولها هذا الموضوع أن نسبة المواطنين ستزداد بمعدلات أسرع من معدل نمو السكان، بحيث سيدخل إلى سوق العمل بدءًا من عام 2015 إلى 2020م ما متوسطه السنوي 408 آلاف مواطن بزيادة سنوية مقدارها 58 ألف داخل جديد إلى سوق العمل في فترة 2009 – 2014م. واستنادًا إلى ذلك فإنها ترى أن قوة العمل الوطنية (مواطنون فقط) ستشكل نسبة 34 % من السكان السعوديين عام 2020م. ورغم أن نسبتها إلى إجمالي السكان ستظل أقل من مثيلاتها في العالم إلا أن ذلك يعني زيادة القوى العاملة بمقدار 2.074 مليون عامل خلال الفترة 2015 – 2020م، وبمتوسط سنوي 346 ألف عامل، وترى أنه مع ذلك ستظل الغلبة عدديًّا لصالح قوة العمل الوافدة بنسبة 55 % وللوطنية 45 %.
فرص العمل
تتوقع الدراسة نمو فرص العمل التي سيولدها الاقتصاد خلال السنوات الخمس القادمة في ضوء ثلاثة سيناريوهات من التوقعات لمؤشرات الاقتصاد، أولها سيناريو أكثر تفاؤلاً معتمدًا على توقعات الاستراتيجية بعيدة المدى التي يتوقع بالاستناد إليها أن يولد الاقتصاد 5.746 مليون فرصة عمل خلال السنوات الخمس القادمة، أي حتى نهاية عام 2020م منها 2.864 مليون فرصة عمل ستذهب للمواطنين، و2.882 مليون فرصة عمل ستذهب للوافدين. وثانيها سيناريو متوسط التفاؤل معتمدًا على توقعات البنك الدولي (المتفائلة)، ويتوقع وفق هذا السيناريو أن يولد الاقتصاد 3.567 مليون فرصة عمل خلال السنوات الخمس القادمة، منها 1.665 مليون فرصة عمل ستذهب للمواطنين، و1.902 مليون فرصة عمل ستذهب للوافدين. وثالث هذه السيناريوهات أقل تفاؤلاً، ويعتمد على توقعات البنك الدولي المتحفظة بأنه سيولد وفقه الاقتصاد 1.637 مليون فرصة عمل خلال السنوات الخمس القادمة، منها 750 ألف فرصة للمواطنين و887 ألف فرصة للوافدين.
أما المحور الرابع من الدراسة فهو يبحث في قدرة الاقتصاد على توليد الوظائف حسب كل (قطاع اقتصادي)، وفق معايير محددة، مثل ملاءمة الوظيفة واستدامتها، والراتب المجزي؛ إذ تتوقع الدراسة أن يصل عدد المواطنين الذين يعملون في وظائف مقبولة منهم، أي عدد الوظائف المناسبة والمستدامة (الملائمة) للمواطنين، عام 2020م ما مجموعه 7.106 مليون وظيفة. فيما خُصص المحور الخامس لدراسة تجارب عينة من الدول الناجحة في مجال توليد الوظائف للمواطنين، بينما خُصص المحور السادس من الدراسة لعرض النتائج الميدانية التي تشمل مرئيات رجال الأعمال والمواطنين القائمين على رأس عملهم في عدد من المواضيع المتعلقة بتوليد الوظائف.
رؤية استراتيجية
والمحور السابع تم فيه تقديم رؤية استراتيجية، تتضمن سياسات اقتصادية بديلة ومبادرات لتوليد فرص وظيفية مناسبة ومستدامة للمواطنين القادمين الجدد إلى سوق العمل. وقد تمت صياغة هذه الرؤية على شكل مبادرات، يضم كل منها عددًا من الأهداف الاستراتيجية، التي تركز على ضرورة وأهمية توليد مزيد من الفرص الوظيفية، وإعادة النظر في نوعية الوظائف التي يتوجب أن يولدها القطاع الخاص.
يُذكر أن هذه الرؤية انطلقت من النتائج التي توصلت لها الدراسة، وفي طليعتها أن اقتصاد المملكة اقتصاد قوي، استطاع خلال الفترة بين 1999م حتى 2014م توليد فرص عمل، لا تقل عن 5.475 مليون فرصة، إلا أن 57.4 % منها ذهبت لصالح العمالة الوافدة و42.6 % فقط ذهبت للعمالة الوطنية، كما ذهبت 36 % من وظائف المواطنين للوظائف الحكومية، غير أن ذلك لم يحد من قدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل؛ فشكل نسبة 44.5 % من إجمالي الوظائف القائمة عام 2014م، قَبِل بها مواطنون يعملون في أنشطة يبلغ متوسط الرواتب فيها 5,000 ريال. وتتمتع هذه الوظائف بأهمية اقتصادية قياسًا بمقدار مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي. وكانت الاستثمارات اللازمة لتوليدها في متناول الاقتصاد السعودي. كما توصلت إلى نتيجة ثالثة، مفادها أن بمقدور الاقتصاد السعودي توليد وظائف خلال الحقبة القادمة 2015 – 2020م تقدر بنحو 2.180 مليون وظيفة إذا استمرت عوامل النمو التي كانت سائدة خلال الفترة 2009 – 2014م على حالها.
ولقد جاءت معظم هذه (المبادرات) التي تقدمت بها الدراسة على شكل مشاريع استثمارية، باعتبارها الأداة الملائمة لتوليد الوظائف. وتتضمن هذه المبادرات تسريع وتيرة التصنيع والخدمات المتطورة، وتوسيع مجالاتها كمحرك رئيسي لخلق مزيد من الفرص المناسبة والمستدامة، وأيضًا العمل الجاد والمتواصل على خلق التوافق بين مخرجات التعليم والتدريب من جهة، ومتطلبات سوق العمل من جهة أخرى، وإعادة هيكلة الصيغ القانونية لبناء منشآت قادرة على التلاؤم مع متطلبات الاقتصاد الحديث، وبما يمكّن من توليد مزيد من الفرص الوظيفية المناسبة للمواطنين، وأيضًا تطوير قدرات المملكة السياحية ودرجة الاستفادة منها لتوليد مزيد من الوظائف المناسبة والمستدامة للمواطنين، وتخصيص الموارد المالية (الاستثمارات) اللازمة لتنفيذ الرؤية الاستراتيجية لتوليد الوظائف المناسبة والمستدامة للمواطنين، وأخيرًا تنفيذ حزمة من المبادرات والسياسات المتعلقة بتوليد وتدعيم ثقافتي (العمل والاستثمار). وقد حددت الدراسة عددًا من الأهداف لكل مبادرة من هذه المبادرات، مع تحديد آليات التنفيذ والجهة التي يمكنها القيام بذلك.
زر الذهاب إلى الأعلى